سورة الزخرف - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)}
أقسم بالكتاب المبين وهو القرآن وجعل قوله: {إِنَّا جعلناه قُرْءاناً عَرَبِيّاً} جواباً للقسم وهو من الأيمان الحسنة البديعة، لتناسب القسم والمقسم عليه، وكونهما من واد واحد. ونظيره قول أبي تمام:
وَثَنَايَاكِ إِنَّهَا إِغْرِيضُ ***
{الْمُبِينِ} البين للذين أنزل عليهم؛ لأنه بلغتهم وأساليهم. وقيل: الواضح للمتدبرين. وقيل: (المبين) الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة، وأبان ما تحتاج إليه الأمة في أبواب الديانة {جعلناه} بمعنى صيرناه معدّى إلى مفعولين. أو بمعنى خلقناه معدّى إلى واحد، كقوله تعالى: {وَجَعَلَ الظلمات والنور} [الأنعام: 1]. و{قُرْءَاناً عَرَبِيّاً} حال. ولعل: مستعار لمعنى الإرادة؛ لتلاحظ معناها ومعنى الترجي، أي: خلقناه عربياً غير عجمي: إرادة أن تعقله العرب، ولئلا يقولوا لولا فصلت آياته، وقرئ {أمّ الكتاب} بالكسر وهو اللوح، كقوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} [البروج: 21- 22] سمي بأم الكتاب؛ لأنه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب منه تنقل وتنتسخ. على رفيع الشأن في الكتب؛ لكونه معجزاً من بينها {حَكِيمٌ} ذو حكمة بالغة، أي: منزلته عندنا منزلة كتاب هما صفتاه، وهو مثبت في أم الكتاب هكذا.


{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)}
{أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذكر صَفْحاً} يعني: أفننحي عنكم الذكر ونذوده عنكم على سبيل المجاز، من قولهم: ضرب الغرائب عن الحوض. ومنه قول الحجاج: ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل. وقال طرفة:
اضْرِبَ عَنْكَ الْهُمُومَ طَارِفَهَا *** ضَرْبَكَ بِالسَّيْفِ قَوْنَسَ الْفَرَسِ
والفاء للعطف على محذوف، تقديره: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر، إنكاراً لأن يكون الأمر على خلاف ما قدّم على إنزاله الكتاب. وخلقه قرآناً عربياً؛ ليعقلوه ويعملوا بمواجبه. وصفحاً على وجهين. إما مصدر من صفح عنه: إذا أعرض، منتصب على أنه مفعول له، على معنى: أفنعزل عنكم إنزال القرآن وإلزام الحجة به إعراضاً عنكم. وإمّا بمعنى الجانب من قولهم: نظر إليه بصفح وجهه وصفح وجهه، على معنى: أفننحيه عنكم جانباً، فينتصب على الظرف كما تقول: ضعه جانباً، وامش جانباً. وتعضده قراءة من قرأ {صفحاً} بالضم. وفي هذه القراءة وجه آخر: وهو أن يكون تخفيف صفح جمع صفوح، وينتصب على الحال، أي: صافحين معرضين {إِن كُنتُمْ} أي: لأن كنتم. وقرئ {أَن كنتم} وإذ كنتم.
فإن قلت: كيف استقام معنى إن الشرطية، وقد كانوا مسرفين على البتّ؟ قلت: هو من الشرط الذي ذكرت أنه يصدر عن المدل بصحة الأمر، المتحقق لثبوته، كما يقول الأجير: إن كنت عملت لك فوفني حقي، وهو عالم بذلك؛ ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق: فعل من له شك في الاستحقاق، مع وضوحه استجهالاً له.


{وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)}
{وَمَا يَأْتِيهِم} حكاية حال ماضية مستمرة، أي: كانوا على ذلك. وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن استهزاء قومه. الضمير في {أَشَدَّ مِنْهُم} للقوم المسرفين، لأنه صرف الخطاب عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره عنهم {ومضى مَثَلُ الاولين} أي سلف في القرآن في غير موضع منه ذكر قصتهم وحالهم العجيبة التي حقها أن تسير مسير المثل، وهذا وعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ووعيد لهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8